آخر الأخبار

جاري التحميل ...

"ظل الحلم: رحلة الطالب اليتيم نحو النور"


قصة حمود: الحلم الذي كشف الحقيقة

حين يعيش القلب بين الغياب والحنين

تبدأ الحكاية من قلب طفل اسمه حمود، عاش في بيتٍ ميسور الحال، لم يعرف يوماً معنى الحاجة أو العوز.
كان والده – كما يظن – كريمًا، يلبي كل طلبٍ يريده دون تردد.
لكن خلف هذا الرخاء كان يسكن في قلب حمود سؤال واحد لم يجد له إجابة:
لماذا لم ألتقِ بأبي قط؟

كان يسمع صوته عبر الهاتف فقط، صوته الحنون الذي يواسيه ويعده بكل ما يتمنى، لكنه لا يراه أبدًا.
كلما سأل أمه عن سبب غيابه، كانت تتهرب بإجابات قصيرة:

"مشغول يا حمود، بس يحبك كثير."

مرت السنوات، وكبر حمود، وكبر معه الشوق لوجهٍ لم يعرف ملامحه.


نجاح يتيم الحلم

واصل حمود دراسته بإصرارٍ كبير حتى أصبح من أوائل طلاب مدرسته.
وعندما حصل على شهادة الثانوية العامة بتفوق، اتصل بوالده ليشاركه فرحته قائلاً:

"أبشرك يا يبه، أنا الأول على دفعتي."
فأجابه الأب بصوتٍ فخور:
"هذا عشمي فيك، وبإذن الله بشوفك دكتور يرفع راسي."

تأثر حمود بكلمات أبيه، فكان ذلك أعظم دافعٍ له ليكمل طريقه.
وفي نهاية المكالمة، قال له الأب:

"وش تبغى هدية نجاحك يا حمود؟"
أجابه بابتسامة:
"ما أبي إلا أشوفك يا يبه."
فقال الأب:
"أعطني ثلاث أسابيع، وأجيك بنفسي ومعي السيارة اللي تختارها."

كان حمود يعيش تلك الأيام وكأنها حلمٌ جميل ينتظر لحظة اللقاء التي تأخرت سنوات.



اللقاء الذي لم يحدث

مرت الأيام، وجاء الموعد المنتظر.
رنّ هاتف حمود، وصوت والده يقول له:

"بعد نص ساعة افتح الباب، راح تلقى السيارة، وراح تشوفني."
ارتجف قلبه من الفرح، نزل مسرعًا وفتح الباب…
لكن ما رأى شيئًا.
وفجأة، استيقظ على صوته الداخلي — كان نائمًا في دار الأيتام.

تجمّد للحظة وهو ينظر إلى سقف الغرفة القديمة، والدموع تنهمر على خده.
كل ما عاشه لم يكن إلا حلمًا طويلًا لطفلٍ يتيمٍ اشتاق لأن يكون له أب.


من الحلم إلى الحقيقة

في صباح اليوم التالي، جلس حمود مع زميله حسان بعد صلاة الفجر.
قال حسان وهو ينظر إلى السماء:

"أنا ودي أصير دكتور."
ابتسم حمود وقال:
"حتى أنا، أبوي بالحلم كان يتمنى أصير دكتور… يمكن نحققها سوا."

ومع مرور الوقت، تحققت الأحلام الصغيرة.
دخل حمود الجامعة بدعم من دار الأيتام، وتخرج طبيبًا ناجحًا، وتزوّج من فتاة يتيمة تُدعى فاطمة.
كانت فتاةً طيبة وحنونة تشبهه في تفاصيل اليُتم، فكانا يعينان بعضهما على الحياة.


سرٌّ قديم يعود للسطح

وذات ليلة، جلست فاطمة إلى جواره وقالت بصوتٍ خافت:

"حمود… تتوقع نقدر نعرف أهلنا؟"
نظر إليها بتفكير وقال:
"يمكن… بس ليه سألتي؟"
قالت:
"لأن في حرمة كانت تزورني دايم وأنا صغيرة، تجيب لي هدايا وفلوس، وتقول إنها صديقة أمي… بس كنت أحس إنها أمي."

تأملها حمود وقال:

"يمكن العم عباس يعرف شي، كان يشتغل في دار الأيتام أيامنا، وكان قريب منا مرة."


لقاء العم عباس

ذهب حمود إلى الدار القديمة، وهناك التقى بـ العم عباس، رجلٌ مسنّ عرفه منذ طفولته.
قال له بابتسامة باهتة:

"حمود! يا الله كبرت يا ولدي. كنت دايم تجلس عند الشباك تنتظر أحد يجيك."
ابتسم حمود وقال:
"يمكن الحين وقت أعرف مين كنت أنتظر."

تنهد العم عباس وقال:

"يا ولدي، اللي كنت تكلمه مو أبوك الحقيقي."
اتسعت عينا حمود وقال بذهول:
"شلون؟!"
ردّ العم عباس بصوتٍ حزين:
"أبوك مات في حادث قبل ما تكمل سنة. صديقه ناصر وعده قبل وفاته إنه يربيك كولده، فكان هو اللي يكلمك ويرسلك الفلوس.
ما قدر يقول لك الحقيقة، لأنه فعلاً كان يحبك ويخاف تكبر وأنت تظن نفسك يتيم."

سكت حمود، ودموعه تسيل بهدوء:

"يعني كنت أعيش حلم… بس نابع من حب صادق، مو كذب."

عاد حمود إلى بيته وأخبر فاطمة بما حدث، فقالت له بدموعٍ تملأ عينيها:

"تدري يا حمود؟ الحرمة اللي كانت تزورني… طلعت أمي فعلاً!
كانت صغيرة لما حملت فيني، وأهلها رفضوني، واليوم اتصلت تبغاني أجي أشوفها."

ابتسم حمود وقال لها:

"يمكن الله جمعنا مو صدفة يا فاطمة، يمكن كل واحد فينا نص الحكاية، والحين اكتملت القصة."


 من دار الأيتام إلى دار الرحمة

مرت السنوات، وافتتح حمود دارًا جديدة للأيتام أسماها “دار ناصر للرحمة” تخليدًا لاسم الرجل الذي أحبّه كابن.
وفي حفل الافتتاح، وقف أمام الجميع وقال بصوتٍ مؤثر:

"ليس كل يتيم فقد أباه، بعضنا فقد الحقيقة، وبعضنا فقد الحنان…
لكن الله لا ينسى أحدًا، ويعوضنا بحبٍّ صادق لا يزول."

قصة حمود ليست عن اليُتم فقط، بل عن الإيمان بأن التعويض الحقيقي لا يأتي صدفة،
وعن أن الله يزرع في طريقنا أشخاصًا يكونون عائلةً لنا، حتى لو لم تجمعنا بهم الدماء.

عن الكاتب

سطور خلف الظلال

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

سطور خلف الظلال